m
icon
icon
مارس 16, 2022

فعاليات “أيام الشارقة التراثية” ترسو على ساحل دبا الحصن في دورتها الـ19

رست فعاليات "أيام الشارقة التراثية" في دورتها ال19 على ساحل مدينة دبا الحصن مساء أمس الاثنين لتعلن عن انطلاق حزمة شيقة من الفعاليات التراثية والبرامج الثقافية والعروض الفنية والرقصات الشعبية المخصصة للجمهور على مدى أسبوع كامل.

وقد جرت مراسم الافتتاح الرسمي للفعاليات التي ينظمها معهد الشارقة للتراث في القرية التراثية بدبا الحصن بحضور الشيخ هيثم بن صقر القاسمي، نائب رئيس مكتب سمو الحاكم في مدينة كلباء، يرافقه سعادة الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة العليا لأيام الشارقة التراثية، وبمشاركة سعادة أحمد سلطان الظهوري، نائب رئيس المجلس البلدي بدبا الحصن، ومطر الخشري مدير الديوان الأميري في المدينة، وعدد من رؤساء ومديري الدوائر والهيئات الحكومية فيها، وجمهور غفير من عشاق التراث والموروث الشعبي.

وقام راعي حفل الافتتاح الشيخ هيثم بن صقر القاسمي برفقة سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم، وباقي المسؤولين بجولة في مختلف أركان القرية التراثية، واطلعوا على مكوناتها الجميلة بما فيها من بيئات مختلفة، وجناح الطفل، ومعرض الحرف اليدوية، والأسر المنتجة، والقسم الأكاديمي، والمقهى الثقافي، وبقية المواقع والأماكن في القرية التي لاقت تفاعل وإعجاب الزوار والحضور.
وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور خالد بن جميع الهنداسي، مدير فرع معهد الشارقة للتراث بمدينة دبا الحصن: "إن فعاليات هذا العام تربط الجمهور ببعدين مهمين يجمعان التراث بالمستقبل، ويزخر برنامج الفعاليات بخطة ثرية ومليئة بالمفاجآت التي ستبهر الزوار، بالإضافة إلى إقامة معرض للحرف والأشغال اليدوية وركن مخصص للأسر المنتجة لبيع العطور والدخون والملابس الشعبية والتحف والهدايا واللوحات التذكارية والأسلحة التراثية القديمة وغيرها، إلى جانب الفعالية الجديد "إي تراث (E-Turath)" وهي موجهة للشباب والنشء لتعريفهم بتراث الآباء والأجداد القديم باعتبارهم جيل المستقبل الذي سيسهم بدوره المأمول في حفظ التراث وصون الهوية.

وأضاف أن أجندة فعاليات القرية التراثية تتضمن محاضرات المقهى الثقافي والبرامج الأكاديمية والتعليمية، كما سيكون الجمهور على موعد للاطلاع على عروض البيئات الإماراتية الأربعة الجبلية والزراعية والصحراوية والبحرية لتؤكد العمق الثقافي الحضاري والغنى الطبيعي لهذه المدينة الفاضلة، مع التركيز على البيئة البحرية من خلال مسابقات التجديف والسفن الشراعية والمراكب الصغيرة، وأما الزراعية فستقدم برامج تعريفية وتدريبية حول زراعة العنب في دبا الحصن.

وسيحظى الزوار بفرصة رائعة للتجول بين أروقة المعارض المختلفة ومشاهدة العروض والرقصات الشعبية، وفتح المجال للأطفال للاستفادة من الورش التدريبية التفاعلية المخصصة لهم، في حين ستكون الوجبات والأكلات الشعبية الشهية حاضرة في متناول الجميع، كما تم تخصيص مساحة للسيارات المتنقلة لبيع الوجبات السريعة والمشروبات الساخنة والعصائر الطازجة.

وتضم القرية مجموعة من أجنحة الجهات الحكومية المشاركة في هذا المهرجان التراثي المميز ومن ضمنها أجنحة دائرة شؤون الضواحي والقرى وهيئة الشارقة للآثار ودائرة التنمية الاقتصادية ونادي دبا الحصن الرياضي وجمعية المعلمين والقيادة العامة لشرطة الشارقة ومركز بدوة للتنمية الاجتماعية (إرثي) وغيرها من الجهات.

وستشمل خطة الفعاليات عقد محاضرة بعنوان "ترميم المخطوطات.. علم وفن" من تقديم المهندس حسن مملوك، ومحاضرة أخرى للدكتور بسمة كشمولة حول "الأساليب القيادية الناجحة في إدارة المؤسسات الثقافية"، فيما سيشارك الأطفال في ورشة رسم بعنوان "حيوانات من الأرقام" تديرها المهندسة وفاء داغستاني، وورشة "براعم الأطفال" تقدمها مكتبة الموروث.

المخطوط العربي.. كنز لا يقدر بثمن
وفي قلب الشارقة، عقد المقهى الثقافي محاضرة حول (التراث العربي المخطوط وسبل تحقيقه)، شارك فيها الدكتور صالح محمد اللهيبي نائب مدير جامعة الشارقة لشؤون الأفرع والدكتور خير الدين شترة الأستاذ المشارك في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الشارقة، وقدم للمحاضرة الدكتور مني بونعامة مدير إدارة المحتوى والنشر بالمعهد ورئيس اللجنة الثقافية للأيام.
وفي مداخلته، تناول الدكتور صالح اللهيبي صلة التراث العربي بالمستقبل انطلاقاً من كون المخطوط أحد عناصر التراث المادي، وإمكانية توظيفه والاستفادة من تحقيقه بأسلوب رقمي وتحويله من حالته الورقية إلى إلكترونية، فضلاً عن إطلاق خرائط رقمية تفاعلية لتحديد أماكن ومناطق وجود المخطوطات في مكتبات ومتاحف دول العالم، وبما يمكن من خلاله الحفاظ على هذا الإرث الثمين والذي لا يقدر بثمن بطريقة مستدامة، وفي الوقت نفسه إتاحة هذه المخطوطات وجعلها في متناول الجيل الحالي من الشباب، لافتاً إلى أن المؤسسات التراثية والمكتبات والمتاحف في العالم بدأت تتوسع في تسويق المخطوطات المحققة وبيع نسخ منها وبدرجات متفاوتة من الدقة والوضوح وبحسب رغبة المشتري وإمكانياته.

ودعا اللهيبي إلى تكثيف الجهود في غربلة نصوص التراث وتنقيتها من المواد النصية الدخيلة في ظل ندرة وجود المخطوطات بخط المؤلف واختلاف أسلوب الكاتب من جيل إلى جيل ومن منطقة إلى أخرى؛ ما أدى إلى وقوع إشكالات في التعامل مع النصوص، فضلاً عن عدم التشكيل والتنقيط في الكثير من المخطوطات، وهو ما يتطلب وضع مسطرة موحدة لعملية التحقيق بهدف المحافظة على الوعي المجتمعي والوصول إلى حالة معرفية صافية، مشيراً إلى ضرورة إيجاد مجالات ابتكار جديدة للاستفادة من التراث في سبيل تعزيز الهوية.

وأما الدكتور خير الدين شترة، فقد ركز على البعد التكاملي بين التراث والهوية باعتبارهما مكونين يسهمان في تعزيز معاني الانتماء للأمة كاعتزاز وقيمة، عبر التمسك بالهوية المحلية الوطنية مع الانفتاح في الوقت نفسه على ثقافة الآخرين.

واستعرض شترة جانباً من جهود العرب في الاهتمام بالمخطوط المدون ولا سيما العربي منه، في استقصاء وبحث دائمين لجذور هذا الموروث، مؤكداً أن الواقع يحتم علينا تحفيز المؤسسات والأفراد لحشد الإمكانات والموارد نحو إعادة الاعتبار والاهتمام بأعلام التراث العربي والإسلامي.

ولفت إلى أن قيام أوروبا بإعادة إحياء التراث الروماني واليوناني القديم كان أحد أهم العوامل التي ساعدتها للخروج من عصورها الوسطى المظلمة والانتقال إلى عصر النهضة، حيث تم من خلال ذلك إيلاء الإنسان قيمته الاجتماعية والأدبية والفنية.

إعادة توظيف المباني والمناطق التراثية.. والمحافظة على الأصل
من جانب آخر، كان الجمهور على موعد في البيت الغربي بجانب ساحة التراث مع محاضرة للأستاذة وفاء داغستاني حول استدامة المباني والمناطق التراثية، والتي ركزت فيها على أهمية صيانة واستدامة وإحياء المباني والمناطق التراثية، في ظل التقصير الملاحظ في العديد من الدول العربية لأسباب مختلفة، بخلاف ما تفردت به دولة الإمارات عبر الوعي الثقافي لقيادتها السياسية واهتمامها بدعم التراث والموروث الثقافي من خلال الموارد والإمكانات ورفدها بعمل مؤسسي وحكومي رصين، ومن ذلك ترميم وإحياء المباني القديمة وإطلاق المشاريع الكبرى الناجحة والأسواق التراثية الجاذبة فضلاً عن تنظيم المعارض الفنية والمؤتمرات التراثية والمهرجات الثقافية في هذه المباني في الإمارات مثل الشارقة وأبوظبي ودبي وغيرها، مما أنعش مستوى السياحة التراثية والبيئية والتجارية فيها.
وأكدت داغستاني أهمية تعزيز الوعي لدى الجيل الحالي بالقيمة التراثية التاريخية للمباني عبر إعادة استخدامها بشكل تكيفي من خلال استثمارها بوظائف جديدة تناسب المنطقة القائمة فيها مثل الفنادق والمقاهي التراثية مما يمنح فرصة مثالية وقوية للمحافظة على هذه المباني واستدامتها للمستقبل، لافتة إلى ضرورة اتخاذ القرار الصحيح لاختيار الوظيفة المناسبة في إعادة استخدام هذه المباني ووفق معايير علمية محددة، لكيلا يؤثر ذلك على أساس القيمة التاريخية والتراثية لها، مع تحويلها في الوقت نفسه إلى وجهة إبداعية وفنية جاذبة.
ندوة حوارية حول (ملف سباق الهجن) المدرج في قائمة اليونسكو
ضمن باقة الفعاليات الثقافية التي ينظمها جناح التراث العربي يومياً، عقدت ندوة حوارية حول ملف سباق الهجن المشترك بين دولة الإمارات وسلطنة عمان والذي أدرج مؤخراً في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهي خطوة تعزز من المكانة المرموقة لدولة الإمارات كعضو فاعل في اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي للبشرية للعام 2003.
وشارك في الندوة مجموعة من المهتمين بسباقات الهجن وتربية الإبل في منطقة الذيد، وهم سعادة عبيد حامد الطنيجي وسالم بن دغيش الكتبي وسعيد بن ربيع الطنيجي وسالم راشد بن محيان الكتبي، حيث استعرض المشاركون في الندوة عن جهود دولة الإمارات في دعم التراث الوطني المحلي وتطويره، ومن ضمنه سباق الهجن، باعتبار الجمل رمزاً ثرياً منذ القدم وشكل تاريخ الإمارات الذي وثق ارتباط الإنسان بالمكان والطبيعة والحياة من حوله بكل تفاصيلها ومكوناتها، مؤكدين بأن الموروث الثقافي على اختلاف صوره وأشكاله جدير بالصون والمحافظة عليه لصالح الجيل الحالي والأجيال التالية.
وتضمنت الندوة الحديث عن أهمية سباقات الهجن وتاريخها في الدولة وكيف ساهمت في تكوين الثقافة الشعبية للمجتمع باعتبارها تراثاً احتفالياً بهيجاً، وبخاصة في ظل الاهتمام الكبير من القيادة الرشيدة.
وقال سالم راشد بن محيان الكتبي: إن حكومتنا الرشيدة طالما شجعت المواطنين على التمسك بهذا العنصر الذي يحمل فوائد مختلفة للإنسان، وعقد الاحتفالات ومهرجانات سباق الهجن بشكل دوري وتخصيص الجوائز الكبيرة لها، وكان الداعم الأول لها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها، إلى جانب توفير خدمات البيطرة وبرامج دعم الأعلاف، ومنح الأراضي اللازمة لتربية الإبل وتخصيص مضامير سباق الهجن في مختلف مناطق الدولة، ونشر ثقافتها محلياً وعالمياً، وقد تطور هذا الاهتمام بشكل رقمي وذكي يواكب متطلبات العصر الحالي، حيث توجد تطبيقات إلكترونية محلية يتم استخدامها حالياً من قبل ملاك الهجن في الدولة لتسجيل المطايا في مختلف المسابقات المختلفة ومتابعة مراحلها العمرية ونقل الملكيات وسحب المطايا ومعرفة الجوائز التي تم الفوز بها ومواعيد استلامها.
ولفت إلى أن كبار السن المشاركين في هذه الندوة هم من نخبة من عاصر تطور سباق الهجن في الدولة ولا سيما في منطقة الذيد بالشارقة، وشاركوا في مسيرته الناجحة، فضلاً عن اعتمادهم على الإبل في حياتهم اليومية كمورد حيواني لاستمرار الحياة ووسيلة في تنقلاتهم وفي حمل الأمتعة.
وأشار إلى أن سباقات الهجن تمثل مساحة للتنافس والتواصل بين أفراد المجتمع وتعزيز المحبة فيما بينهم فضلاً عن تعزيزها لمستوى الاهتمام الدائم والشامل بتربية الإبل، بالإضافة إلى مجالات الاستفادة الاقتصادية الحديثة منها في مجالات الأغذية واللحوم والحليب والأدوية ومستحضرات التجميل، ولها تجارة رائدة، ووجهة جاذبة للسياح والزوار المهتمين بمعرفة التقاليد الثقافية الأصيلة والقائمة في الدولة حتى اليوم.

مجلس الداما.. تدريب وتنافس بعبق الماضي
يستقبل جناح مجلس الداما في ساحة التراث زواره يومياً من الشباب وكبار السن من محبي هذه اللعبة الشعبية القديمة، والتي تمارس في العديد من دول العالم، وذلك في إطار سعي إدارة المهرجان إلى إعادة إحياء هذه اللعبة محلياً، حيث يرتاد المجلس يومياً لفيف متنوع الأعمار من المهتمين باللعبة من دول الخليج وتركيا ولبنان وغيرها. وفي هذا يقول فهد أحمد من مملكة البحرين الشقيقة والذي يشارك في الفعالية للسنة السادسة على التوالي: "لهذه اللعبة شعبية عالمية ومرت بمراحل تطور تاريخية قديمة، وقد مارسها أهل الخليج سابقاً وبرعوا فيها وتفننوا في التنافس عليها على أرض الواقع، كما أعيد إحياؤها بطرق جديدة وتقنيات حديثة، حيث توجد العديد من التطبيقات الذكية والمواقع الإلكترونية لممارسة هذه اللعبة افتراضياً".
وأضاف أن المجلس خلال المهرجان يقدم دورات تدريبية مجانية للراغبين في تعلم هذه الهواية المشوقة.
وقد انطلقت بطولة الدوري للعبة يوم الاثنين الماضي بنظام التصفيات، وتنظم يومياً من الساعة 5 إلى 7 مساء، ومن المستهدف أن تنظم فعاليات مماثلة في المهرجان في كل من خورفكان وكلباء ودبا الحصن خلال فترة تنظيم "الأيام" في دورته الحالية.
يذكر أن هذه اللعبة في الواقع عبارة عن ملعب خشبي يتكون من 64 مربعاً على صفين متقاطعين كل صف 8 مربعات ويبلغ عدد البيادق المستخدمة 32 قطعة مقسمة بالمناصفة بين اللاعبين، ويتم اللعب بنظام النقلات للأمام أو اليمين أو اليسار وهي تقارب لعبة الشطرنج لكنها أكثر صعوبة منها