m
icon
icon
سبتمبر 22, 2022

البحر يجمع أدباء الخليج على طاولة ملتقى الشارقة الدولي للراوي

للبحر في ضمير الإنسان الكثير من الذكريات والتجارب، بعضها سار، وبعضها الآخر محزن، ولكن له في ذاكرة الشعوب ذكريات سارة دائماً، فهو يمثل تراثها المادي، وذاكرتها الحية المعنوية، ورسائلها المختلفة إلى تبثها إلى الأجيال عبر العصور، ومنها تنطلق نحو التطور، وبها تمضي نحو السمو والتألق.
وقد اتفق أدباء إماراتيون وخليجيون متخصصون في التراث الشعبي البحري خلال جلسة لهم أقيمت على هامش انعقاد فعاليات ملتقى الراوي 2022، وأدارها طلال الرميضي على أن للبحر مكانة كبيرة، فقد فرض حضوره على الثقافة الشعبية بالكثير من المفردات والألفاظ، واحتل مساحة واسعة في نفوس شخصيات مؤثرة في المجال الشعبي البحري، وكان له نصيب وافر في الحكايات الشعبية والأمثال، مع ما كان يمثله للمرأة من ألم مقرون بالبعد، وشوق ممزوج بسعادة عودة النوخذة من موسم صيد طويل.
وشارك في الجلسة مجموعة من أدباء وباحثي الإمارات والخليج العربي، هم كل من: فهد المعمري وذلك بورقة تحت عنوان (الألفاظ البحرية في الشعر النبطي)، وعبدالله عبد الرحمن، بورقة عنوانها (مساحات من الحكمة والاستلهام في ذاكرة أبطال البحر)، وفاطمة المغني التي استعرضت (البحر للمرأة الإماراتية مرفأ للخوف والأمل)، و د. حياة بنت مناور الرشيدي التي قدمت حكايات البحر من تراث إقليم الحجاز، وأخيراً د. أنيسة فخرو التي انتقلت بالحضور الى استعراض (البحر في الأمثال الشعبية البحرينية).
لكل عاشق دليل على عشقه، فما دليل عشق الإماراتيين للبحر؟، بهذا التساؤل، غاص الأديب الإماراتي فهد المعمري بالحاضرين في بحور لكن من نوع آخر، هي باختصار بحور الشعر النبطي الذي بصم فيه الإماراتيون بقوة على عشقهم للبحر، وصاغوا من مشاهدات البيئة البحرية، والفاظ البحر التي لم تنفصل عن السفن الخشبية والشِّباك والوجبات البحرية أجمل قصائدهم، وساق المعمري العديد من بيوت الشعر التي تناولت ذلك.
للإماراتيين مع البحر قصص أخرى لا تتوقف عند الشعر، فالأديب الإماراتي الشعبي عبدالله عبدالرحمن فتح أمام الحاضرين باباً آخر للبحر، اطل من خلاله على أحد مقومات الحكمة المكتسبة عند الإماراتيين، فقد أكسبهم البحر بألوانه وعنفوانه، بهدوئه وصخبه، بحركته الدائمة في الحياة، بذلك السحر البصري في أعلاه، وتلك الاصداف في أعماقه، حكمة كبيرة جعلتهم مثار الفخر والاعتزاز، فمن احترف ذات يوم ترويض البحر بالغوص في اعماقه لاستخراج خيراته، نقل الى أجيال اليوم ما أهلهم ليكونوا بناة للحضارة، أمناء حقيقيين للبلاد.
أثر البحر لم يقتصر على الرجال، فللنسوة أيضاً حضور حافل، كيف لا، وقد وضعن فيه اسرارهن، واشواقهن، وجعلنه أمينا على رجالهن وهم يرحلون للصيد شهرا بعد شهر، تختلط دموعهن تارة بأمواجه عند الوداع، ويداعب صدى ضحكاتهن عند اللقاء بعودة الصيادين بسلام، ومن هنا انطلقت الأديبة البحرينية الدكتورة أنيسة فخرو وهي تتحدث عن البحر في الأمثال الشعبية البحرينية، وخصوصاً الأمثال التي كانت المرأة ترددها عندما يغيب زوجها في البحر، وكأنها أقوال حية لا يزال لها صدى مؤثر برغم مرور السنين.
وبمثل تلك المشاعر الممتزجة، شاطرت الأديبة الإماراتية فاطمة المغني د. فخرو نقل مشاعر نسوة الصيادين بالخوف والقلق على أزوجهن، خوفٌ، سرعان ما يتحول الى لهفة واستقرار وهم يعودون محملين بالرزق لهن ولعيالهن، وأضافت المغني أن المرأة الإماراتية كانت خير معين لأسرتها خصوصاً في اوقات غياب الزوج في البحر للغوص، أو ممارساً لأسفاره البعيدة حول الهند وأفريقيا من أجل التجارة والتكسب والعمل، فلم تشكُ البيوت من نقص، ولا الأولاد من حنان، ولا الرجال من حنينهن الدافئ المتدفق.
ومن البحرين الى الحجاز، استعرضت الدكتورة حياة الرشيدي حكايات بحرية من تراث إقليم الحجاز المطل على البحر الأحمر، مرت خلالها بتاريخ الإقليم وأبرز بحاريه وصياديه، وكيف اسهم كل ذلك ببناء التراث الشعبي الحجازي الذي كان فيه للبحر أوفر نصيب.