مارس 13, 2022
معرض “خمسون عامًا من حكم سلطان” أيقونة تتوسط ساحة التراث
يرتفع إيقاع فعاليات "أيام الشارقة التراثية" في نسختها التاسعة عشرة نحو مزيد من الجذب والتنوع والثراء من خلال تواصل الفعاليات والبرامج والمعارض المختلفة في ساحة التراث في منطقة قلب الشارقة، والتي تستمر حتى 28 مارس الجاري، وبمشاركة 33 دولة و28 جهة حكومية اتحادية ومحلية.
معرض خمسون عاما ًمن حكم سلطان... توثيق النقلة النوعية في الإمارة
من أهم المعارض التي تتخذ من ساحة التراث موقعاً متميزاً لها في مهرجان هذا العام معرض "خمسون عامًا من حكم سلطان" والذي يوثق بأسلوب شيق ونمط تكنولوجي جذاب معالم النقلة النوعية التي شهدتها إمارة الشارقة في مختلف الجوانب منذ أن تولى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة -حفظه الله- مقاليد الحكم في الإمارة في 25 يناير 1972 وحتى الآن.
وقالت ذكريات معتوق، مدير إدارة المعارض بمعهد الشارقة للتراث ورئيس لجنة المعارض في أيام الشارقة التراثية: "إن هذا المعرض الذي يتوسط ساحة التراث يمثل أهم المعارض الرئيسية الأربعة التي يقدمها المهرجان في دورته الحالية، وهو معرض نوعي جدير بالزيارة، كونه يواكب هذه الذكرى العطرة في تاريخ الإمارة، ويجسد مسيرة خالدة انطلقت قبل خمسين عاماً، وأيضاً لكون فكرة المعرض مبنية على مفهوم جديد للعرض ونمط تكنولوجي بحت يخرج عن إطار المعارض التقليدية، كونه يخاطب اهتمامات الجيل الحاضر والمستقبل والذي يرتبط بالتكنولوجيا في كل تفاصيل حياته، وهو ما يتوافق مع شعار المهرجان لهذا العام "التراث والمستقبل".
وأضافت أن التصميم شمل وضع مجسم لجذع شجرة الرولة في وسط موقع المعرض ليمنح دلالة واضحة على أن النهضة الشاملة والحافلة للإمارة مستندة إلى جذور تاريخية راسخة ورمز دلالي عميق يتصل عبر الحاضر صعوداً نحو اتجاهات المستقبل، وهي رمزية جميلة للدور الجليل والإسهام العظيم من صاحب السمو حاكم الإمارة رمز الشارقة وباني نهضتها، لافتة إلى أن المعرض يقدم ومن خلال فيديو توثيقي رائع مدته 4 دقائق تقريباً عرضاً شاملاً وراقيًا لأهم المحطات في حياة صاحب السمو الحاكم -حفظه الله- ثم استعراض أهم المعالم والملامح المضيئة خلال الخمسين عاماً الماضية، وهي مسيرة ذات عطاء ثري ومنجز عظيم وألق لا حدود له، ويتم عرضها وفق السنوات تدريجياً في لقطات تمزج ما بين القديم والجديد، وتغطي جوانب التطور العمراني وانتشار الصروح الحضارية الثقافية في الإمارة مثل الجامعات والمباني الحكومية والتاريخية والمكتبات والمرافق الترفيهية والوجهات السياحية فضلاً عن جهود المحافظة على الآثار والتراث بمختلف صورها وأبعادها.
ووجهت ذكريات معتوق شكرها للمؤسسات والجهات الداعمة للمعرض من خلال الصور والمواد المرئية ومنها دارة الدكتور سلطان القاسمي وهيئة الشارقة للإذاعة و التلفزيون والأرشيف الوطني ووكالة أنباء الإمارات.
من جديد "الأيام".. "ملتقى التراث والفوتوغرافيا"
في ومضة جديدة تنظم لأول مرة خلال "أيام الشارقة التراثية بدورتها الـ19" تحتضن ساحة التراث في منطقة قلب الشارقة (ملتقى التراث والفوتوغرافيا) الذي يفتح أبوابه للزوار طوال أيام المهرجان، ويضم معرضاً للصور التي تبرز مجموعة من أهم عناصر ومكونات التراث الثقافي في عدد من الدول العربية، ويشمل 31 صورة منتقاة التقطتها عدسة 31 مصوراً من 15 دولة عربية، منهم 3 مصورين إماراتيين، ومصوريْن اثنين من كل دولة عربية مشاركة.
وفي هذا الإطار، أوضح المشرف على المعرض الدكتور إسلام عز العرب أستاذ التراث الشعبي في المعهد العالي للفنون الشعبية التابع لأكاديمية الفنون بالقاهرة أنه تم إبراز الصورة المعروضة بمقاسات مناسبة قابلة للرؤية والاستمتاع من قبل الجمهور، مضيفاً إن هذه الصور تمثل خلاصة مختارة من 155 صورة شارك بها نخبة من كبار محترفي التصوير العرب المهتمين بتوثيق الشأن التراثي والثقافي في العالم العربي، وهي صور متنوعة وجميلة تعبر عن التراث المادي واللامادي من مناطق مختلفة في الدول العربية وتعكس جماليات التراث العمراني والمكاني فيها، علماً بأنه تم تقييم وفرز هذه الصور وفق معايير وشروط فنية دقيقة، على أن يتم نشر هذه الصور في إصدار مطبوع خلال الأيام القليلة المقبلة من المهرجان، بهدف مشاركة الجمهور جماليات المخرجات التصويرية لهذا الفن الإبداعي النابع من تجارب وخبرات شبابية واعدة.
المقهى الثقافي: دلالات المكان في المنطقة الوسطى من الشارقة وتجلياته الشعرية
وفي ثالث أيام فعاليات المقهى الثقافي، عقدت جلسة تناولت دلالات المكان في مدن المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة وتجلياته في الشعر الشعبي، كما استعرضت في جانب منها مشروع مليحة الزراعي، بمشاركة نخبة من الكتاب والباحثين والخبراء المختصين في التراث الشعبي الإماراتي ولا سيما في مناطق ومدن الإمارة الباسمة، وهم الدكتور راشد المزروعي والدكتور سالم زايد الطنيجي والدكتور خليفة سيف الطنيجي.
واستعرض الضيوف خلال الجلسة التي أدارها المحاضر والخبير في معهد الشارقة للتراث الأستاذ عادل الكسادي جانباً من التراث المادي والأدبي المرتبط بمفهوم المكان في المنطقة الوسطى وبواكير المشاريع التنموية فيها.
واستهل الدكتور راشد المزروعي موضوعات الجلسة بالحديث عن مفهوم الشعر الشعبي والنبطي وموضوعاته المستمدة من بيئة المنطقة، وهي تتنوع ما بين مشاعر وأغراض النفس الإنسانية من وصف وحب وحزن وأمل وغيرها من المشاعر فضلاً عن التعبير عن العادات والتقاليد ومفردات المكان والبيئة المحيطة، وأورد المزروعي أسماء عدد من قدامى الشعراء الإماراتيين الذين مروا على هذه المنطقة وتطرقوا لها في ثنايا قصائدهم، مثل المايدي بن ظاهر ومحين الشامسي ويويهر الصايغ وسعيد بن عتيج الهاملي وسالم بن محمد الجمري وخليفة بن مترف الجابري وغيرهم ممن خلد بقصائده بصمات مطبوعة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة حول مدن ومناطق هذه البقعة النابضة بالتاريخ والحياة والتقاء القوافل في وجهاتها المختلفة.
وقدم المزروعي تعريفاً موجزاً حول الامتداد الجغرافي للمنطقة الوسطى ومكوناتها الطبيعية وقبائلها ومناطقها الرئيسية الأربعة وهي الذيد والمدام ومليحة والبطائح، كما رصد بشيء من التحليل نماذج لقصائد شعرية للشاعرين الجمري والجابري مثل (من ضميري) و(رحلة الأمطار) بما فيها من مفردات ترتبط بالعديد من المناطق والوديان والجبال فيها ومنها المدام والفلي وحمدة وطوي الحصن والدهري وغيرها.
في حين خصص الدكتور سالم الطنيجي ورقته للحديث عن حصن الذيد الذي يعتبر من أهم المعالم التراثية في هذه المدينة، ويعود تاريخ بنائه إلى منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وقد نال الاهتمام البالغ من حكومة الشارقة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة -حفظه الله- والتي أثمرت عن إنجاز عملية تجديد الحصن وإحيائه ليخرج بإطلالة جديدة ومميزة في فبراير الماضي، وقدم الطنيجي إطلالة سريعة على الدور الدفاعي قديماً لهذا الحصن كموقع عسكري واستراتيجي في الذيد بما يتضمنه من أبراج وغرف للحاكم والمخطوطات ومخازن، حيث ساهم بصورة كبيرة في الحماية من هجمات الأعداء، فضلاً عن كونه سابقاً ملتقى للقوافل والعابرين والتجار ومكاناً لاجتماع الحاكم مع الضيوف، مع التميز المكاني لهذا الحصن كونه يتربع على شريان طبيعي حيوي ومهم وهو ماء الشريعة (الثقبة). وأشار سالم الطنيجي إلى أن تحتضن أيضاً العديد من الأبراج مثل المضارسة والرجيبة وبرج طنيج إضافة إلى مسجد الشريعة وغيرها من المعالم التاريخية، داعياً إلى تعزيز الدور الاقتصادي والاستثماري لحصن الذيد باعتباره وجهة سياحية جاذبة للزوار ومحبي السياحة التراثية.
وأما الدكتور خليفة الطنيجي، فقد رصد في ورقته مشروع مليحة الزراعي خلال الفترة ما قبل الاتحاد بدعم ومتابعة من مكتب التطوير التابعة لمجلس حكام الإمارات المتصالحة مروراً ببواكير نشأة الدولة الاتحادية الوليدة وذلك على مدى الأعوام 1967 إلى 1976، وتناول الباحث ما شهده هذا المشروع الفريد من تحديات وحكايات وإنجازات، باعتباره أولى التجارب الزراعية في المنطقة وفق النمط الحديث، وامتداداً في تلك الفترة لمشروع الدقداقة الزراعي في رأس الخيمة، وتناول بداية العمل في تنفيذ هذا المنجز الحيوي منذ أن كان فكرة على الورق وصولاً إلى التطبيق وما حققه من أثر إيجابي على حياة السكان في مدينة مليحة، هذه المنطقة التاريخية الموغلة في القدم، والزاخرة بالعديد من المكتشفات الأثرية الدالة على تاريخها الزراعي المهم.
حفل توقيع كتاب "رحلة المقيظ في التراث الثقافي الإماراتي".. للدكتورة موزة بن خادم
وضمن سلسلة فعاليات توقيع وإطلاقات الكتب الجديدة والمرتبطة بمكونات الموروث الثقافي، احتضن المقهى الثقافي أيضاً مراسم حفل توقيع كتاب "رحلة المقيظ في التراث الثقافي الإماراتي" للباحثة الإماراتية الدكتور موزة بن محمد خادم المنصوري، ومن إصدارات معهد الشارقة للتراث، وبحضور لفيف من عشاق الموروث الثقافي الإماراتي، والذين حرصوا على اقتناء نسختهم الممهورة بتوقيع الباحثة.
وأعربت الدكتورة موزة بن خادم عن امتنانها للمعهد لدور المثمر في دعم فكرة الكتاب وتطويره وإخراجه بالصورة اللائقة بجمال التراث الإماراتي وأهميته، قائلة: "إن قصة الكتاب بدأت عندما قامت بإعداده كبحث مقدم للحصول على شهادة الدبلوم في التراث الثقافي من المعهد، وبإشراف ومتابعة من د. صالح هويدي، لينشر على صفحات عدة لاحقاً في مجلة الموروث الصادرة من المعهد أيضاً، ومن ثم لقي موضوع الكتاب المزيد من الزخم والاحتفاء عبر طباعته ونشره في إصدار مستقل"، وأشارت إلى أن سبب اختيارها لرحلة المقيظ في التراث الثقافي الإماراتي كموضوع لكتابها يعود إلى أهمية هذه الرحلة في ذاكرة الزمان والمكان والإنسان في الإمارات، وارتباطها قديماً ببدايات موسم الصيف وتزايد درجات الحرارة وتغير الأجواء وصعوبة الطقس في تلك الفترة، وغياب معظم الرجال بسبب سفرهم بعيداً في رحلة الغوص الموسمية، لذا جاء الكتاب توثيقاً لهذه الرحلة السنوية المليئة بتفاصيل مهمة الانتقال براً من السواحل عبر الصحراء الإماراتية وصولاً إلى الوديان والواحات والجبال والتمتع بأفياء أشجار النخيل والفواكه، وباستخدام قوافل الإبل والسيارات القديمة. لذا فقد كان الهدف الرئيسي من هذه الرحلة الهرب من شدة الحرارة والرطوبة والحصول على ملاذ للاستجمام والراحة من ناحية وتعزيز التواصل كنوع من التلاقح الحضاري مع أهالي وسكان تلك المناطق من ناحية أخرى.
الخط العربي.. هوية حضارية جديرة بالاهتمام
وفي إطار سلسلة البرامج التعليمية والأكاديمية المقررة في المهرجان، استضاف جناح التراث العربي محاضرة للأستاذ خالد الجلاف رئيس جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، تحدث فيها عن الحفاظ على الهوية الحضارية للخط العربي، وبحضور مجموعة من عشاق الخط العربي والمهتمين بالفنون العربية بشكل عام.
في بداية المحاضرة، أكد الجلاف أن مفهوم التراث بمعناه الواسع يشمل كل موروث فني مارسه الأجداد في الماضي ونقلوه إلينا. ومن عناصره الأصيلة المهمة فن الخط العربي باعتباره فناً عظيماً يرتقي بهوية كل عربي ومسلم، مشيراً إلى أن هذا الخط يتمتع بميزة خاصة وجذور راسخة توارثتها الأجيال منذ فترة ما قبل الإسلام وانتقلت لما بعده مروراً بالعصور الإسلامية المختلفة، وهي ميزة تكاد تفتقدها خطوط الحضارات الأخرى.
وأضاف الجلاف أنه على المستوى المحلي، فقد كان للخط العربي حضور مؤثر في تاريخ الإمارات وموروثها الشعبي وجذور نشأة وتطور شعب هذه المنطقة من خلال استخدامه للتدريس وتعليم القرآن واللغة العربية في الكتاتيب بواسطة المطوع واعتماد هذا الفن الإبداعي أيضاً للكتابة في ديوان أو مجلس الحاكم قديماً، وهو ما يؤكد أهمية الخط العربي ودوره في توثيق الأحداث والمنعطفات التاريخية والقرارات المهمة في المنطقة.
وتطرقت المحاضرة إلى أشهر رواد الخط العربي منذ القدم وحتى الآن مروراً بعصور إسلامية مهمة، وكيفية تطور ونضوج استخدامات الخط خلال هذه الفترة، لافتاً إلى أن إهمال بعض فئات من العرب لهذا الفن وعدم إدراكها لدوره الحضاري قوبل باهتمام كبير من غير العرب سواء من المسلمين بل من غير المسلمين الذين عشقوا هذا الفن وانكبوا على تعلم الخط ودراسته وتعليمه والتمكن فيه، ما أثمر عن اقترابهم أكثر لتعاليم وعناصر هذا الدين الحنيف ودخولهم فيه.
واستعرض المحاضر نماذج من تطبيقات الخط العربي في العالمين العربي والإسلامي، والتي انتقلت إلى خارجهما كالدول الأوروبية التي أدرجت استخدام الخط العربي في معالمها التراثية ومبانيها العمرانية والتاريخية ووجهاتها السياحية المختلفة كالمتاحف والمكتبات وغيرها، بل إن الخط العربي تم استخدامه واعتماده من قبل حضارات ولغات أخرى كاللغات الفارسية والهندية والتركية وغيرها، ما يؤكد بأن العرب هم الأولى والأجدر قبل غيرهم في مسؤولية الحفاظ على الهوية الحضارية التي يحملها الخط العربي ونقلها إلى الأجيال الحاضرة والمقبلة ونشرها فيما بينهم.