m
icon
icon
سبتمبر 22, 2022

إبراهيم الحاج يستعرض لآلئ التراث البحري لدبي في ملتقى الشارقة الدولي للراوي

لم تؤثر سنواته الثلاثة والسبعين في ذاكرته وذكرياته، إذ لا يزال حينما يتحدث عن بحر دبي، ذلك الفتى المبهور برمل الشاطئ، وأمواج البحر، ونسائمه التي لا تزال تداعب مخياله الأدبي، حتى حفرت عميقاً في نفسه، فجعلته يعرف كل أصناف القوارب والسفن، وأنواع الأسماك، ومواسم الصيد، وتشكيلات الفرق البحرية، وعدة الرحلة والصيد، إلا أن ماكان يكتنزه في صدره عن البحر من إيقاعات ورقصات والحان واهازيج ومناسبات ومفردات شعبية وضعته في صدارة فناني البحر وحارسا أميناً لتراثها المحلي.
بهذه الصورة الموجزة جداً، يظهر لك ضيف شرف ملتقى الراوي لهذا العام الفنان الإماراتي إبراهيم جمعة الحاج إبراهيم في مستهل الجلسة الأولى التي أقيمت بعنوان (فنون البحر) وأدارها خالد البدور، حيث لا تكاد تنبهر بجزء من ذكرياته وخبراته حتى يغوص بك عميقاً مرة أخرى في ذكريات ثانية تحمل بين جوانبها منظومة كاملة من صور الحياة التي عاشها الأجداد، تشم منها رائحة البحر، وبهجة احاديث المجالس، وضحكات النواخذة والغيص، ولا تنتهي عند المواقف الخطرة او المقالب التي تشكل بمجملها ذائقة البحر، وتراث السابقين.
استهلّ الحاج حديثه بالثناء الكبير على صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على مكارمه التي لا نظير لها، ودعمه المستمر لأصحاب الحرف وأهل التراث وعاشقي البحر والبر من مختلف أماكن ومناطق دولة الإمارات العربية المتحدة ومن خارج الإمارات.
أما حصة الأسد في حديث الحاج فقد كانت حول الغوص على اللؤلؤ، مبيناً أن أهالي دبي والإمارات عرفوا على طول ساحل الخليج العربي بأنهم أهل غوص مهرة، وكانت رحلة البحث عنه ممتلئة الكثير من المشاعر المختلطة بين الفرح والحزن، حيث تبدأ التحضيرات للذهاب نحو «الهيرات» لصيد محار اللؤلؤ، هذه اليوم أسموه بـ «الركبة» حيث يكونون فيه على استعداد للتوجه إلى الصعود على السفن، بينما يقف على طول الشاطئ الكثير من أهالي البحارة والنساء لتوديعهم بالصياح والبكاء وترديد العديد من النهمات التي حفظنها لهذه الأوقات، بعد ذلك تتحرك السفن متجهة إلى الأماكن المقصودة، وتمضي ثلاثة أشهر في البحر، وفي اليوم الأخير للبحارة في البحر كانت تطلق طلقة مدفع إعلانا ببدء العودة إلى الديا، وهنا يبدأ الأهالي العالمين بعودة بحارتهم بالتوافد إلى الشاطئ لاستقبالهم بالفرح والأهازيج فتعود البهجة والضحكات من جديد.
وفي معرض حديثه الماتع عن البحر وفنونه تحدث الحاج عن وظائف ومسؤليات الفريق الذي كان يعمل على ظهر السفينة، مثل «السردال» وهو قائد أسطول السفن، و«النوخذة» وهو قائد السفينة التي يعد كل شيء لها من بداية رحلتها وحتى نهايتها، و «المجدمي» «لمقدمي» وهو الذي يجلس في أمام السفينة، و«السيب» وهو المعين المباشر للغواص، والمسؤول عن سلامته، و«السكوني» وهو الرجل الذي يمسك «دفة» السفينة و«الرضيف» ويكون عمره بين الـ 10 و14 عاما ويتلخص دوره بالقيام ببعض الأعمال البسيطة.
وأكد الحاج في ختام الجلسة أن معظم الأعمال والحرف بدولة الإمارات العربية المتحدة في السابق كان يصاحبها غناءٌ من نوعٍ ما، فحتى يمر الوقت سريعاً، وتمتلئ أرواح العمال بالسعادة كان لابدّ من الغناء وخلق أجواء فرحة تُذهب عنهم الشقاء والعناء، وقد تداولت الألسن الكثير من النهمات الرائعة، ومما يزيد الأمر جمالاً أن لكل إمارة هويتها الخاصة فيما يتعلق بكلمات النهمات وألحانه، فرأس الخيمة نهماتها غير الشارقة، والشارقة غير دبي وهكذا، وتشكل بمجموعها باقة بهيجة عذبة تتجدد على مر الزمان وهي تحكي سيرة أنا أحبوا وطنهم وصاغوا حضارة عظيمة يفتخر بها الجميع اليوم.